24 ساعة
أراء وكتاب
يوميات
خارج الحدود
«الداء الجزائري».. كتاب مثير لخبيرين فرنسيين يكشف أعطاب النظام الجزائري
الجزائر ليست بلدا، ولكنها نظاما. وهذا ما يكشفه خبيران فرنسيان، هما جون لويس ليفيت (Jean-Louis Levet) وبول توليلا (Paul Tolila)، اللذين بعثا في إطار مهمة رسمية إلى الجزائر دامت خمس سنوات ونصف، في الكتاب-الحدث «الداء الجزائري» (Le mal algérien). هذا المؤلف، الذي يتجاوز في التحليل والوصف كل الكتابات التي كشفت أمراض النظام الجزائري، سيشكل لا محالة مرجعا مهما لكل من يهتم بهذا البلد الجار.
هذا الكتاب يتعين قراءته. لا يتحدث مؤلفوه، بطريقة موثقة، عن تجربتهم في الجزائر فحسب، بل يصفون بدقة الجراح نشأة وأسس النظام الذي تقوم عليه السلطة في هذا البلد. إن جذور الداء، التي زرعها هواري بومدين منذ عام 1962 ويغذيها إلى حد كبير جنرالات فاسدون، هي الأساس الذي تقوم عليه السلطة في الجزائر اليوم وما يحدد حكمها وخياراتها الاقتصادية الكارثية.
إنه كتاب يحلل ويكشف خبايا النظام ويفسر طريقه اشتغاله بعبارات واضحة رغم أن السمة المميزة للسلطة الجزائرية وآليات الريع والفساد التي تسمح لها بالاستمرار هي على نقيض كل النماذج المعروفة وتتحدى حتى العقلانية. وحشية السلطة الجزائرية، يسميها المؤلفان «الاشتغال العكسي للقيم العادية». ويجب أن نقدم لهما التحية لأنهما بعنادهما استطاعا أن يقاوما الدوار الذي يحسه المرء في هذا البلد الذي يسير على رأسه. «الجزائر تجعلك تشعر بالدوار، بالمعنى الدقيق للكلمة. من خلال الممارسة البسيطة للحس السليم، تظهر كبلد يسير بالمقلوب»، بحسب ما كتبه جون لويس ليفيت وبول توليلا، مؤلفا كتاب «الداء الجزائري». قاوم المؤلفان الدوار ووجدا كلمات وصفية وتحليلية لتحديد طريقة اشتغال النظام.
تتمثل إحدى المزايا الرئيسية لـ«الشر الجزائري» في أن مؤلفيه ليسا سياسيين، بل خبيران، تم تكليفهما في إطار مهمة رسمية للتعاون الاقتصادي بين فرنسا والجزائر، من 2013 إلى 2019، واللذين تمكنا، خلال فترة إقامتهما في عدة مدن بالجزائر وتبادل الآراء مع القادة السياسيين ورجال الأعمال والناشطين في المجتمع المدني، من تشخيص «الفوضى الإدارية» من الداخل وجمود النظام. جون لويس ليفيت وبول توليلا هما أكاديميان مشهوران. الأول حاصل على دكتوراه الدولة في الاقتصاد، والثاني هو خريج المدرسة العليا للأساتذة. خلال تجربتهما الميدانية وانغماسهما في قلب الواقع الجزائري، تأكدا من عدم إمكانية علاج الداء الجزائري، الذي أراده النظام طواعية.
ولادة النظام
فهم النظام الجزائري يعني فهم ولادته المرتبطة ارتباطا وثيقا بانقلاب هواري بومدين عام 1962. على رأس جيش الحدود، «لم يطلق العقيد بومدين رصاصة واحدة خلال حرب التحرير». لقد انتظر أن يقوم الثوار بعملهم ضد الجيش الفرنسي للتقدم في مسيرة نحو الجزائر العاصمة، وقتل وطرد الناجين المنهكين الذين قادوا حرب التحرير. عرض هواري بومدين على بن بلة تقاسم السلطة، قبل أن يتخلص منه عام 1965 ليقود الجزائر حتى وفاته عام 1978.
وأكد مؤلفا الكتاب: «من انقلاب 1962 تشكل جوهر السلطة الجزائرية لعقود: سلطة حقيقية في يد الجيش، تتوارى خلف ستار رئاسة مدنية، ومدعومة بأجهزة سرية تؤطر السكان، قادرة على مراقبة أو حتى تصفية الخصوم، والمنظمة لأي نوع من التلاعبات».
النظام الذي أسسه هواري بومدين، تم تطويره من قبل الجنرال العربي بلخير، «عراب العرابين»، الذي بنى جهازا قائما على الريع والفساد المعمم يستفيد منه الجنرالات ومنه يستفيد الأوليغارشيين الذين سيظهرون في عهد عبد العزيز بوتفليقة.
النظام فوق كل شيء. الصراعات الدموية بين الجماعات المختلفة، وكذلك عمليات التطهير والمحاكمات التي تؤدي إلى السجن، تهدف أيضا إلى الحفاظ عليه. وبخصوص هذا الموضوع، كتب جان لويس ليفيت وبول توليلا أن «عمليات التطهير تظل وسيلة للدفاع عن هيمنة النظام وليست مسألة عدالة».
يخضع كل القادة الجزائريين للنظام ولا يمكنهم اتخاذ قرار مهم خارج أجهزته. وقدم محاورو المؤلفين، بما في ذلك بعض الشخصيات المرقومة في الجهاز السياسي-الإداري، أسرارا مزعجة حول الطابع الفلكلوري لبعض المؤسسات التي ليست في قلب النظام. «كما تعلمون، لدينا وزراء، فقط لأننا عندما نستقبل وزراء من دول أخرى، يتعين علينا أن نضع أمامهم وزراءنا!».
يضمن استمرارية النظام عدد هائل من رجال الشرطة والدرك. «النظام الجزائري يستخدم الترهيب لإخضاع السكان.210 ألف ضابط شرطة و180 ألف دركي يسهرون على حفظ النظام». يوضح المؤلفان أنه بالنسبة لعدد السكان، فإن قوات الأمن في الجزائر هي ضعف عدد قوات الأمن في فرنسا.
التاريخ المزور
التاريخ الوطني في الجزائر يقوم على الكذب والخداع. والجيش الجزائري هو الضامن والحامي لهذه الرواية التاريخية الكاذبة. الشخص الذي يتم تقديمه على أنه مؤسس الجزائر الحديثة، هواري بومدين، لم يقاتل أبدا الجيش الفرنسي. هذا «المجاهد» الذي لم يطلق رصاصة واحدة يجسد الرواية التاريخية الوطنية التي تدرس في المدارس الجزائرية.
«لكن المشكلة لا تزال قائمة: فنحن لا نزال في منطق الحرب وضعف العمليات الوحشية التي أدت، في 1962 و1965، من خلال الانقلاب، إلى إعطاء القيادة لجيش لم يقاتل أبدا والذي شق طريق إلى الجزائر العاصمة على جثث الثوار الحقيقيين».
عبان رمضان، مهندس الثورة الجزائرية، «المدافع عن أولوية السياسي على العسكري، اغتيل على يد رفاقه في دجنبر 1957 في المغرب. يبدو أن قبره، في مربع الشهداء في مقبرة العالية، مازال فارغا، لأنه تعذر العثور على رفاته على الرغم من محاولات الرئيس الشاذلي».
اغتيل مقامون حقيقيون آخرون وآباء الاستقلال الجزائري على يد هواري بومدين. يتعلق الأمر، من بين آخرين، بـ«محمد خيضر، الذي اغتيل في إسبانيا (1967) ودفن في المغرب، وكريم بلقاسم، الذي اغتيل في ألمانيا عام 1970 ونقل بعد خمسة وعشرين عاما إلى مربع الشهداء»، ناهيك عن العقيد عميروش، الذي خبئ جثمانه في قبو.
وقال المؤلفان: «إن العجز الحربي لجيش كان انتصاره الوحيد هو انقلاب الدولة في بلده ربما يفسر جزئيا البطولة الزائدة للطغمة العسكرية الجزائرية على أنها محاولة متجددة باستمرار للتعويض عن نقص رمزي، وثغرة في تاريخ بدون نصر حقيقي».
الجزائر موجودة فقط من خلال أعدائها
يلوح النظام بفزاعة العدو الخارجي. وأشار جون لويس ليفيت وبول توليلا: «لا يحدث شر في الجزائر دون نسبة ذلك إلى النوايا الخبيثة «للآخرين»، سواء كانت فرنسا أو المغرب أو أي بلد من شأنه أن فزاعة أيديولوجية مناسبة».
النظام لا يحدد الأمة الجزائرية من خلال «بناء مستقبل مشترك»، بل من خلال الأعداء. «تتحدث السلطات الجزائرية باستمرار عن مؤامرات ضد البلاد، والتهديد الأجنبي، والخونة المتحالفين مع المتآمرين من الخارج: الجميع يستهدفون الجزائر الجديدة! من وجهة نظر السلطة، ليست الأهداف المشتركة هي التي تحدد الأمة الجزائرية، بل أعداؤها».
إن التلويح المستمر بتهديد عدو خارجي يعني أيضا تسليط الضوء على الجيش، الذي يفترض أنه يحمي الشعب الجزائري من هذا العدو المتواجد في كل مكان.
ملكة الريع
«تمثل صادرات المحروقات ما بين 95 و98٪ من إجمالي صادرات الجزائر ». المحروقات هي «ملكة الريع» في الجزائر. والكل متوقف عليها. «إن النظام الاقتصادي للحياة اليومية برمته مرتبط بهذا الريع الذي، في حد ذاته، مرتبط بتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية» ومن خطر الاستنزاف الذي لا مفر منه للموارد.
خلال عشرين عاما من حكم عبد العزيز بوتفليقة، «كسبت الجزائر قرابة 1200 مليار دولار بفضل المحروقات، وهي المداخيل التي لا تخضع لا لمراقبة البرلمان ولا لإدارة الضرائب». وبدلا من استثمارها في مشاريع تنموية تضمن مستقبلا للجزائريين، بعيدا عن الاعتماد الكلي على المحروقات، تبخرت 1200 مليار دولار في الفساد ومن خلال الإعانات المباشرة الموجهة للسكان. وهو ثمن ضمان السلم الاجتماعي.
وفي ما يتعلق بأموال الريع الذي يمكنه شراء كل شيء ولكنه يدمر قيمة العمل في البلاد، يلاحظ المؤلفان وعن حق، أنه على عكس مقولة ماو تسي تونغ، يفضل النظام الجزائري إعطاء السمك للناس بدلا من تعليمهم كيف يصطادونه. «في بلد به نسبة بطالة تصل إلى 20٪، وترتفع نسبة حتى إلى 50٪ في مناطق معينة من الداخل، فإن ريع النفط هو علاج يقتل ببطء، على مدى الأجيال».
يستفيد من الريع بشكل خاص المجاهدون وذريتهم. تعتني وزارة غنية جدا بهذه الفئة من الجزائريين الذين لا يحتاجون إلى العمل والذين تضاعف عددهم بشكل مفاجئ بمقدار 10 على الأقل منذ السبعينيات. وبخصوصهم يذكر المؤلفان نكتة يتم تداولها في الجزائر والتي تظهر إلى أي مدى ينخر الريع المجتمع: «سئل طفل عن الوظيفة التي يرغب في القيام بها مستقبلا: دكتور أو جندي أو محام أو تاجر؟ لا، أجاب الطفل، أريد أن أصبح ابن مجاهد!».
الفساد على جميع المستويات
عندما نقرأ «الداء الجزائري»، من المستحيل ألا نستنتج أنه وراء كل مشروع يتم الإعلان عنه في الجزائر، هناك رغبة في رغبة في الرشوة أكثر من الرغبة في تحقيق التنمية. «الريع والفساد أصبحا من العناصر المكونة للدولة الجزائرية مع مرور الوقت»، يلاحظ المؤلفان.
المبالغ المعنية هي مبالغ خيالية. مجموعة الأوليغارشي علي حداد، «استفادت، من خلال أربعمائة وسبعة وخمسين (457) قرضا بنكيا على مدار العشرين عاما الماضية، من مبلغ إجمالي فلكي قدره 18 مليار أورو يمكن سداده على المدى الطويل، أي بحلول عام 2030، وهذا بالطبع لن يتحقق أبدا».
إنشاء الطريق السيار شرق-غرب، التي تقدر قيمتها بـ11 مليار دولار، والتي عهد بجزء كبير منه إلى الشركات الصينية، كلف 17 مليارا. «العديد من الثغرات في صياغة العقود جعلت من الممكن الالتفاف على القانون ومن ثم إطلاق العنان للفساد الذي قدره أحد المديرين السابقين للوكالة الوطنية للطرق السريعة بـ4 مليارات دولار».
بخصوص هذا الموضوع، يسرد المؤلفان حكاية معبرة: فقد هرب يابانيون، كانوا مسؤولون عن جزء من الطريق السريع بين الشرق والغرب، في اتجاه تونس أمام العدد الهائل من المسؤولين الجزائريين الذين طلبوا منهم المال.
وقدرت تكلفة تشييد الجامع الكبير بالجزائر، الذي عهد به أيضا إلى مجموعة صينية، بمليار دولار. «بعد بضع سنوات، تتحدث الصحافة الجزائرية عن تكلفة تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار».
بلد غير موثوق به
أن تبرم السلطات الجزائرية اتفاقات أو مشاريع مع نظيراتها في بلد آخر، فهذا لا يلزم إلا أولئك الذين لا يعرفون الجزائر. ويؤكد المؤلفان، انطلاقا من مواقف حقيقية، «أن توقيع المشروع لا يحمي بأي شكل من الأشكال من التهديدات التي قد تنشأ على أساس أسباب غير معقولة، أو حتى في بعض الأحيان بدون تفسير على الإطلاق. وأوضحا أن عددا من الاتفاقيات، التي تم توقيعها في إطار مهمتهم، «تعثرت لأسباب مجهولة، بعضها دون بدء التنفيذ، والبعض الآخر توقف دون أسباب معلنة».
وما يسهم في تعثر المشاريع غالبا ما يكون الطرف الجزائري الممثل للطرف الأجنبي الذي يختفي بين عشية وضحاها دون تفسير ودون ترك أي أثر. وعلق المؤلفان بطريقة ماكرة: «هذه الخسارة للطرف الجزائري هي طريقة كلاسيكية لقول «لا» والتخلص من المشاريع التي لم نعد تريدها، دون عناء شرح السبب». وأوضحا أنه على عكس البلدان المجاورة، مثل المغرب وتونس، فإن «الإدارات العمومية الجزائرية ليس لديها شبكة إنترانت، ويعمل جميع الموظفين مع أنظمة رسائل شخصية، وهو ما يسهل بشكل كبير تبخر الأفراد».
مع المحاورين الذين يستخدمون عناوين البريد الإلكتروني الخاصة، يصبح من الصعب للغاية الوصول إلى المؤسسات. هذا النقص في الرسائل المهنية يجعل المشروع يعتمد تقريبا على مراسل. «كما لو أن اسم شركة كذا وكذا وزارة يعتمد على مراسلك: هذا الأخير يختفي، كل شيء يمكن أن يختفي». ومن هنا جاء هذا التعليق الواضح: «هذا الأمر هو بالتأكيد أحد أكثر المواقف ضررا، والأكثر خطرا على تطور الجزائر وسمعتها في عمليات الشراكة الاقتصادية: فهو يظهر الإهمال الشديد في ما يتعلق بالعقود الموقعة ويزيد من مخاوف الشركات الأجنبية تجاه بلد يسود فيه قدر كبير من اللأمن القانوني».
يورد جان لويس ليفيت وبول توليلا أمثلة تقدم دليلا على أن المؤسسات الجزائرية هي «شريكة غير موثوقة على الإطلاق».
4 ملايين شخص يعيشون من الدعارة في الجزائر
يهتم كتاب «الداء الجزائري» أيضا بأمراض المجتمع التي هي من المسكوت عنه في وسائل الإعلام، وكلها تقريبا تابعة للنظام. ميزة الكتاب هو أنه يسلط الضوء على الموضوعات التي لا يتم الحديث عنها إلا قليلا، مثل الدعارة، وهي إحدى الزوايا المفضلة لوسائل الإعلام التابعة للطغمة العسكرية للتهجم على المغرب. الدعارة منتشرة في كل مكان في الجزائر. تزدهر في المنتجعات الساحلية، مثل تيشي (منطقة بجاية)، ولكن أيضا في المدن الكبرى والمدن المتوسطة، مثل الجزائر العاصمة، ووهران، وبجاية، وعنابة، وتلمسان، وسطيف، وبرج بوعريريج، إلخ.
يقدم المؤلفان رقما خياليا لأكثر من 4 ملايين شخص يعيشون من الدعارة في الجزائر. وقالا عن هذا الموضوع: «في عام 2007، أفاد تقرير صادر عن معهد جزائري لاستطلاعات الرأي، وهو معهد متخصص في الدراسات الاجتماعية الميدانية، بوجود ما يقرب من 1.2 مليون مومس سرية في الجزائر، كل واحدة منها تعيل ثلاثة أشخاص على الأقل من حولها، مما يعطي رقما ما يزيد قليلا عن 4 ملايين شخص يعيشون من هذا النشاط».
في ما يتعلق بموضوع الدعارة، توصف الجزائر العاصمة بأنها بيت دعارة. يستشهد المؤلفان بمحامٍ في نقابة المحامين بالعاصمة الجزائرية أجرى تحقيقا فعن هذا النشاط وحدد «8000 منزل مخصص للدعارة في الجزائر العاصمة وحدها». دون الحديث عن الأماكن الأخرى في العاصمة حيث يقيم النساء والرجال علاقاتهم: «شوارع، ومرائب، وسيارات قديمة، وأكواخ، وشقق صغيرة، وفيلات…». هذا النشاط يمارسه أيضا القاصرون. «يتراوح سن ممارسة هذه المهنة بين 14 و16 سنة».
الأرقام الغريبة للنظام والواقع المرير
الكل يعرف الهوس الجزائري بتضخيم الأرقام. البطل في كل الفئات هو عبد المجيد تبون الذي قال لأنطوني بلينكين إن بلاده ستنتج 30 مليون طن من القمح وتغذية مصر والمغرب وتونس.
الأرقام الخيالية هو تخصص جزائري. وفي هذا الصدد، أعلن وزير السياحة الجزائري ياسين حمادي في شتنبر 2022 للصحافة: «لقد سجلنا أكثر من 11 مليون سائح جزائري وأجنبي زاروا 14 ولاية ساحلية. وأقول «سائح» لأن عدد المصطافين تجاوز 120 مليونا في جميع الولايات والبلديات الساحلية».
في الواقع، وبحسب مهني سياحي جزائري سعيد بوخليفة، بحسب ما ورد في كتاب «الداء الجزائري»، «لم يتجاوز عدد السائحين 3000 سائح سنويا خلال العشرين عاما الماضية». من 3000 إلى 11 مليون في سنة واحدة، هذا يعطي فكرة عن الهوة السحيقة التي تفصل الواقع عن الأكاذيب التي يروج لها القادة الجزائريون.
يوضح المقطع التالي أن الذين يؤمنون بالأرقام التي يعلن عنها النظام الجزائري يعرضون أنفسهم لانتكاسات عنيفة: «نتذكر هذه المجموعة الفرنسية الكبيرة للسيارات، التي كانت ترغب في إنشاء مصنع لإنتاج السيارات: أعلنت وزارة الصناعة عن وجود حوالي 140 شركة جزائرية موجودة في المناولة في مجال السيارات. بعد تحقيق طويل أجراه بنك فرنسي، تم التعرف على أربعة فقط. ومرة أخرى، كانت هناك حاجة إلى الكثير من العمل لتحسين إنتاجهم حتى يتمكنوا من المساهمة في إنتاج المركبات في المصنع المخصص الجديد».
من 4 إلى 140 أفضل من الهوة السحيقة التي تفصل بين 3000 و11 مليون سائح. ومع ذلك تظل الهوة بين الكذب والواقع عميقة جدا.
الأسطوانة المشروخة للخروج من الريع
يظهر عنوان فرعي للكتاب مثل «أسطوانة التنويع» أن الإعلانات عن تنويع الاقتصاد الجزائري هي أسطوانة مشروخة. الوعود الكاذبة لعبد المجيد تبون لن تفعل شيئا. في الواقع، «الرئيس تبون ليس أول من أمر بثورة صناعية وتنويع الاقتصاد». ويؤكد مؤلفا الكتاب أنه «على مدى عدة عقود، ظهر هذا الموضوع في خطابات الرؤساء المتعاقبين، والدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع، ولا سيما من قبل الأكاديميين، عديدة، لكنها تبقى حبيسة الأدراج».
قدم الكتاب شهادات واضحة عن استحالة التحرر من قبضة المحروقات. إن قاعدة المساهمة الشهيرة في الشركات المؤسسة في الجزائر (51 ٪ للمشغل الجزائري، و49 ٪ للمستثمر الأجنبي) تبطئ بشكل كبير الاستثمار الأجنبي في البلاد. ويشرح المؤلفان قدسية هذه القاعدة، التي يعترف الجميع بضررها على تنمية البلاد، من خلال الخوف من رؤية الاقتصاد يهرب من زعماء المافيا الذين يسيطرون على الجزائر.
وفي نظر المؤلفين، فإنه «كلما زادت مشاريع الإنتاج المشترك لمستثمر أجنبي وشركة جزائرية، زادت صعوبة السيطرة على اقتصاد البلاد. كلما زادت المنتجات التي تحمل علامة «صنع في الجزائر»، قلّت الواردات. وانخفاض الواردات يعني وجود وسائل أقل للتحكم في تدفق العملات وتحقيق ثروة بسرعة لقادة الدولة».
وأضافا: «الجزائر تستورد حتى الرمال والأحجار والوقود، حيث يظل نظام النفخ في الفواتير وتحويل العملات عبر الشركات الوهمية إلى الملاذات الضريبية فعالا لجميع المستفيدين من النظام».
ويقدم المؤلفان العديد من الطرائف عن اجتماعاتهم مع المسؤولين الجزائريين. طرحا على عبد المالك سلال، وكان حينها وزيرا أولا، سؤالا حول عدم وجود وزارة للاقتصاد في الجزائر. أجاب هذا المسؤول: «سننشئ وزارة للاقتصاد عندما يكون لدينا اقتصاد!».
مع عدد التحليلات والوقائع الحقيقية التي تم كشفها، سيتوصل قارئ كتاب جون لويس ليفيت وبول توليلا إلى استنتاج مفاده أن الداء الذي ينخر الجزائر يتجاوز ما كان يتخيله. طالما أن هذا النظام قائم، «فلا مستقبل» للشعب الجزائري.