24 ساعة
أراء وكتاب
يوميات
خارج الحدود
تعيين نائب ينكر الجرائم الاستعمارية مسؤولا في مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية الفرنسية
أثار تعيين النائب الفرنسي عن اليمين المتطرف جوزي غونزاليس نائبا لمجموعة الصداقة الجزائرية الفرنسية في البرلمان الفرنسي، استغرابا واسعا، كون الرجل يتبنى أطروحات ممجدة للاستعمار وينكر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
وكشف النائب جوزي غونزاليس بنفسه عن تعيينه نائبا لمجموعة الصداقة الجزائرية الفرنسية في البرلمان الفرنسي، في تغريدة على حسابه على تويتر، قائلا “لدي الشرف الكبير أن أعلن عن تعييني نائبا لرئيس مجموعة الصداقة الجزائرية الفرنسية من قبل مكتب الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)”. واعتبر غونزاليس أن “هذا التعيين هو رمز لاهتمامي الخاص للعلاقات الجزائرية الفرنسية”.
وقوبل تعيين هذا النائب بالكثير من التعليقات الساخرة والمستغربة، حتى إن البعض وصف الأمر بالنكتة. وقال أحد المعقلين، في رده على التغريدة: “غونزاليس يروج لتمجيد الاستعمار ثم يتم تعيينه نائبًا لرئيس مجموعة صداقة فرنسية جزائرية. المستوطنون يسيرون على رؤوسهم بالتأكيد (إشارة لتناقضهم)، يا له من عار مطلق”. وكتب آخر “مجموعة الصداقة الفرنسية الجزائرية، لا يمكن في أي وقت، أن يمثلها شخص يشعر بالحنين إلى الجزائر الفرنسية والذي دافع عن الاستعمار”.
وعرف هذا النائب الذي ينتمي لحزب التجمع الوطني تحت زعامة مارين لوبان، بترؤسه للجلسة الأولى للجمعية الوطنية الفرنسية نهاية حزيران/جوان 2022، باعتباره أكبر الأعضاء سنًا في البرلمان الجديد بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا. وتحولت رئاسته للجلسة من حدث روتيني عادي، إلى جدل سياسي، بعد أن خصص الجزء الأكبر من كلمته للحديث عن حنينه للجزائر التي ولد فيها وإبراز ما يزعم أنه الظلم الذي طال الأقدام السوداء وهم المعمرون الذين غادروا الجزائر بعد انتزاعها للاستقلال.
ومما قاله هذا النائب مخاطبا زملاءه في الجلسة الشهيرة “أن نجتمع جنبًا إلى جنب بعيدًا عن خلافاتنا هو رمز للوحدة الفرنسية. ورمز هذه الوحدة يلمس قلب الطفل الذي هو أنا من فرنسا البعيدة، نُزع من وطنه الأم وألقت به رياح تاريخ 1962 على شواطئ بروفانس، وتركت خلفي فرنسا وأصدقائي، وأنا الرجل الذي ظل يحمل الجرح للأبد”.
ودفعت هذه الكلمات لسؤال النائب بعد انتهاء الجلسة عن موقفه من استقلال الجزائر، فأجاب بشكل مستفز قائلا: “تعالوا إلى الجزائر، إلى الجبل، وسنجد الكثير من الجزائريين يسألون “متى ستعود فرنسا؟”. وزاد على ذلك بالقول لما سئل عن جرائم فرنسا في الجزائر: “أنا لست هنا للحكم فيما إن ارتكبت المنظمة السرية جرائم أم لا، لا أظنّ أن فرنسا اقترفت جرائم ضد الإنسانيّة”. والمعروف أن منظمة الجيش السري التي نشطت في السنة التي سبقت استقلال الجزائر، قد ارتكبت جرائم بشعة ضد الجزائريين، وهو ما تثبته الأوساط الفرنسية نفسها.
وخلال زيارته للجزائر أغسطس الماضي، تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن وجود ضرورة للمصالحة التاريخية ليس فقط من أجل الجزائر بل في فرنسا نفسها، مستشهدا بحالة النائب غونزاليس. وقال: “ليس لدينا درس نقدمه نحن الفرنسيين.. افتتاح أول جلسة برلمانية كان بحديث نائب عن الجزائر.. لا يمكننا أن نقول للجزائريين إننا قلبنا الصفحة”. وأضاف “أحاول منذ أن أصبحت رئيسا أن أشاهد الماضي أمامي.. في مسألة الذاكرة وكأننا مجبرون على الاختيار بين الفخر والاعتذار.. أنا اخترت الحقيقة والاعتراف.. أنا لست ابن حرب الجزائر ولا عائلتي لكني أدرك شيئا أن الجزائر وفرنسا لا يمكنهما التقدم دون النظر للماضي لأن تاريخينا مشتركان”.
ولم تمر تصريحات غونزاليس دون أن تثير ردود فعل غاضبة في الجزائر، فقد اعتبر عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، تصريحات النائب بأنه ترك جزءا من فرنسا في الجزائر التي غادرها سنة 1962، وحديثه عن وجود من يسأل متى تعود فرنسا وتصفيق عدد كبير من النواب على كلامه، دليلا على أن فرنسا لم تُسلّم بخروجها من مستعمراتها القديمة، إذ لا تزال حسبه الروح الاستعمارية حية فيها، يعبر ساستها أحيانا بألسنتهم عن ذلك.
ويأتي هذا التعيين الذي ينظر إليه كإشارة مستفزة في الجزائر، في وقت كان الرئيس عبد المجيد تبون، قد دعا في حواره مع جريدة لوفيغارو الفرنسية، إلى “ضرورة أن تحرر فرنسا نفسها من عقدة المستعمر وأن تتحرر الجزائر من عقدة الاستعمار، ففرنسا قوة عالمية ومستقلة. والجزائر قوة أفريقية لم تعد تشبه ما كانت عليه في عام 1962”.
ووفق تبون فإنه “من الملح فتح عهد جديد من العلاقات الفرنسية الجزائرية، فبعد أكثر من ستين عامًا على الحرب، علينا المضي قدمًا. إذا كانت الذاكرة جزءًا من جيناتنا المشتركة، فإننا نتشارك أيضًا في العديد من الاهتمامات الأساسية، حتى لو كانت وجهات نظرنا مختلفة”.