24 ساعة
أراء وكتاب
يوميات
خارج الحدود
فشلت في ملفات ليبيا ومالي والنيجر و”مصالحة” الفرقاء الفلسطينيين.. فماذا يمكن أن تعطي الجزائر للسودان غير محاولة “يائسة” لإغاظة الإمارات؟
دجنبر الماضي، في مقابل طرد الإمارات الملحق العسكري في سفارة السودان بأبو ظبي ودبلوماسيين آخرين.
ويتهم الجيش السوداني النظامي ومجلس الرئاسة، الإمارات بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع، على الرغم من نفيٍ إماراتي رسمي، الأمر الذي أدى إلى أزمة مُتفاقمة تزامنت مع أزمة أخرى بين أبو ظبي والجزائر، أصبحت أكثر بروزا مع إعلان المجلس الأعلى الجزائري للأمن، الذي يترأسه تبون، إثر اجتماعه في 10 يناير 2024، عن “أسفه” حيال “تصرفات عدائية” صادرة من طرف “بلد عربي شقيق” دون تسمية الإمارات العربية المتحدة.
اتهامات تحتاج إلى “البُرهان”
باستعمال صيغة قريبة، تحدث تبون أمام البرهان مؤكدا أن بلاده “تقف إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه”، مضيفا أن الجزائر “تشدد على أن الكلمة الأولى والأخيرة يجب أن تعود دوما إلى الشعب السوداني بكل مكوناته”، وتحدث أيضا على ما أسماه “التكالب المفضوح ضد السودان” الذي أبانت عنه “المحنة” الراهنة، متعهدا بأن الجزائر ستوظف عضويتها الحالية في مجلس الأمن لفائدة السودانيين”.
وإن كان تبون قد تفادى ذكر الإمارات في خطابه، فإن جريدة “الخبر” المقربة من قصر المرادية، كانت قد استعملت مفرداته في تقرير موجه ضد أبو ظبي بشكل صريح، والذي حمل عُنوان “الشر القادم من الإمارات إلى الجزائر ثم السودان”، والذي نُشر بتاريخ 12 دجنبر 2023، وجاء فيها “الجزائر تعد أكبر هدف لورثة الشيخ زايد، فلم تسلم من شرها وحقدها وضررها، مثلما لم تسلم الشقيقة السودان من سموم حكام أبوظبي، الذين يسعون لتقسيم هذا البلد الغني ونشر الفوضى فيه”.
وينضاف إلى ذلك، ما نشرته الإذاعة الرسمية الجزائرية شهر دجنبر الماضي أيضا، حين تحدثت عن أن الإمارات “منحت 15 مليون أورو للمغرب من أجل إطلاق حملة إعلامية وحملات على المنتديات الاجتماعية بهدف ضرب استقرار بلدان الساحل”، زاعما وجود “محور” مكون من الإمارات والمغرب وإسرائيل يعمل على إطلاق “حملة” تستهدف دولتي مالي والنيجر “لتسويق فكرة أن الجزائر تمول ضرب استقرارهما”، متعهدة أن هذا التمويل “لن ينجح أبدا، لأن الجزائر بلد ناشر للسلام”.
البحث عن تبرير الفشل
كثيرا ما تحاول الجزائر تصريف “فشلها” الدبلوماسي عبر قنوات خارجية، وهذه المرة اختارت الإمارات، لسببين رئيسيين، الأول هو إيجاد “تبرير منطقي” لفشل ميليشيات جبهة “البوليساريو” الانفصالية في تجاوز الحزام الأمني المغربي في الصحراء، على الرغم من إعلانها “الحرب” منذ 13 نونبر 2020 تاريخ استعادة الجيش المغربي السيذرة على معبر “الكركارات”، ثم الضربة القوية التي تلقتها سُمعتها الدبلوماسية والاقتصادية نتيجة فشلها في الانضمام إلى مجموعة “البريكس”.
وتتهم وسائل الإعلام الجزائرية الإمارات، التي تتوفر على قنصلية عامة بمدينة العيون، بـ”تسليح” المغرب لضمان تفوقه العسكري في الصحراء، إلى جانب الدعم الدبلوماسي خصوصا داخل أروقة الأمم المتحدة، لدرجة أن صحيفة “الشروق” المقربة بدورها من السلطة الحاكمة في الجزائر، نشرت بتاريخ 28 غشت 2023، مزاعم نسبتها إلى “مصادر دبلوماسية أجنبية”، مفادها أن ملحق الدفاع في سفارة الإمارات بالجزائر، “صرح لأحد الدبلوماسيين، في حضرة نظرائه الأوروبيين، أنه في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المملكة العلوية”، وفق تعبيرها.
وتتهم الجزائر الإمارات أيضا بضرب مصالحها والوقوف وراء عدم قبول ترشيحها للانضمام إلى “البريكس”، على الرغم من أن أبو ظبي بدورها كانت مرشحة جديدة وقُبلت عضويتها رفقة 6 دول أخرى، وفي أكتوبر الماضي ألغى الجيش الجزائري بث مقابلة للرئيس تبون مع وسائل الإعلام، وصف فيها الإمارات بأنها “الشيطان نفسه” بسبب وقوفها المفترض ضد انضمام بلاده إلى المجموعة، وفق ما كشف عنه موقع Algérie Part.
لا نتائج لدبلوماسية البروتوكولات
على أرض الواقع، لم يثبت أن الجزائر قدمت لعبد الفتاح البرهان أي دعم مالي أو عسكري أو لوجيستي في مواجهته ضد القوات التي يقودها غريمه “حميدتي”، ومن المستبعد، حتى لو أرادت ذلك، أن تستطيع مواكبة “الدعم المفترض” الذي يقدمه الإماراتيون لهذا الأخير، وبالتالي فإن الورقة التي تلعبها حاليا هي عضويتها (غير الدائمة) في مجلس الأمن، التي تسوقها على أنها دليل على “تأثيرها” الدبلوماسي، إلى جانب تحركات أخرى منتظرة داخل الاتحاد الإفريقي أساسا.
ولا تخرج الجزائر بذلك عن نطاق “المكايدة الشفوية”، لأن تأثيرها داخل أروقة الأمم المتحدة غائب، وهو ما اتضح مثلا في أواخر أكتوبر الماضي عندما فشلت مرة أخرى في استصدار قرار لمجلس الأمن حول ملف الصحراء، يستبعد الإشادة بمقترح الحكم الذاتي المغربي، أو يضعها بشكل صريح خارج قائمة أطراف النزاع، ثم فشلت في 10 يناير الجاري، تزامنا مع بداية عضويتها في مجلس الأمن، في التأثير على مسار اعتماد القرار رقم 2722، الذي يدين الهجمات التي شنها “الحوثيون” في اليمن، على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر ويطالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات.
وتظل تحركات الجزائر الدبلوماسية، داخل نطاق سياسة “المُكايدة”، شكلية وغير مُثمرة حتى في القضايا العربية، مثلما حدث في يوليوز من سنة 2022، في سياق الصدام العلني مع المغرب والهجوم عليه بسبب إعادة علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، حين جمع تبون رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، على هامش مشاركتهما في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال البلاد، وذلك تحت عنوان براق وهو “المصالحة الفلسطينية”.
وعمليا، لم يقدم هذا اللقاء ولم يؤخر، لدرجة أن منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة فتح، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التركية “الأناضول”، وصفه بأنه اجتماع “شكلي ولم يتم التطرق خلاله للملف الفلسطيني الداخلي”، مضيفا “لم يتم الحديث حول أي شيء خلال اللقاء له علاقة بملف المصالحة، أو الوضع الفلسطيني الداخلي”، أما مصدر من “حماس” فقال للمنبر نفسه إن الأمر يتعلق بـ”لقاء بروتوكولي، جاء بطلب خاص من الرئيس الجزائري”، وتابع “لم يترتب على اللقاء أي نتائج، وليس له أي امتدادات أو تداعيات”.
مسلسل من الفشل الدبلوماسي
المثير للانتباه، هو أن الجزائر عجلت بتوجيه بوصلتها إلى السودان، بينما لا زالت غارقة في وحل الفشل الدبلوماسي في منطقة الساحل، إذ أعلن المجلس العسكري الحاكم في مالي، بقيادة رئيسه أسيمي غويتا، الأسبوع الماضي، إنهاء “اتفاق السلام والمصالحة” لسنة 2015، الذي ترعاه الجزائر، بسبب استقبال تبون لقياديين في مجموعات انفصالية وميليشيات مسلحة، ووصفت باماكو ذلك بأنه يدخل في إطار “الأعمال غير الودية والوقائع التي تنم عن العداء والتدخل في الشؤون الداخلية للبلد”.
وتحدثت مالي أيضا عن “استقبال عناصر تخريبية مالية ومواطنين مطلوبين للعدالة المالية بتهم الإرهاب، على أعلى مستوى في الدولة الجزائرية دون تشاور أو إخطار مسبق”، واحتضان الأراضي الجزائرية لمكاتب تمثيلية لبعض المجموعات الموقعة على اتفاق السلام والمصالحة بمالي، المنبثق عن مسلسل الجزائر، والتي أصبحت اليوم “ضمن الحركات الإرهابية”، وأوردت الحكومة الانتقالية أنه “يساورها الفضول لمعرفة كيف سيكون شعور السلطات الجزائرية لو استقبلت مالي، على أعلى مستوى في هرم الدولة، ممثلين عن حركة تقرير مصير منطقة القبائل”.
هو مسار دبلوماسي، اتسم، حسب التوصيف الرسمي للماليين بـ”الازدراء والاستعلاء” من لدن الجزائر، ما أفضى إلى فشل ذريع، لكن باماكو كانت مع ذلك أطول نفسا من نيامي، التي عجلت، في أكتوبر من سنة 2023، بنفي مزاعم بثتها الجزائر بشكل رسمي، مفادها أن النيجر قبلت الوساطة التي عرضها الرئيس تبون، موردة “حتى قبل أي استنتاجات رسمية حول نتائج هذا الاجتماع، فوجئت وزارة الخارجية والتعاون وشؤون النيجيريين في الخارج، بتصريحات الحكومة الجزائرية التي ذكر فيها أن النيجر قبلت الوساطة التي عرضت على الجيش فترة انتقالية مدتها ستة أشهر”.
وأوردت الخارجية النيجيرية حينها أن “مدة الفترة الانتقالية لا يحددها إلا منتدى وطني شامل”، وتابعت أن السلطات الانتقالية “أعربت عن استعدادها لدراسة عرض الجزائر للوساطة، ولم توافق عليه”، ما دفع الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان تعلن فيه “إرجاء الشروع في المشاورات التحضيرية المزمع القيام بها إلى حين الحصول على التوضيحات التي تراها ضرورية بشأن تفعيل الوساطة”، في خطوة كانت محرجة جدا لقصر المرادية.
مقارنة بين دبلوماسية الجارين
تحرُكات الجزائر في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، محكومة أساسا بالبحث عن موطئ قدم وسط فضاءين إقليميين استطاعت الرباط فيهما كسب العديد من النقاط، من خلال ضمان اعتراف مجموعة من دول المنطقة بالسيادة المغربية على الصحراء، إلى جانب المصالح الاقتصادية المتنامية التي أصبحت تجمع بين الرباط وعدة عواصم إفريقيا، على غرار خط الغاز نيجيريا – المغرب، وتحول المملكة إلى أكبر مستثمر إفريقي في موريتانيا، وإتاحتها المجال لدول الساحل للوصول إلى المحيط الأطلسي.
لكن دبلوماسية المغرب، بما فيها أدوار الوساطة، ترتكز أساسا على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية”، وعلى أن تكون الحلول صادرة من أبناء البلد المعني، وفق ما تشدد عليه خارجية الرباط في العديد من الأحيان، وهو ما ينسحب على الشأن السوداني أيضا، وقد جرى التعبير عنه في 19 دجنبر الماضي، حين التقى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في مراكش، مع وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية السودانية، علي الصادق.
وتحدث بوريطة حينها عن “المواقف الثابتة للمملكة الداعمة للوحدة الترابية لدولة السودان وسيادتها الشرعية، ونهج الحوار كأساس لحل الأزمة التي تشهدها البلاد”، وأضاف أن “الملك محمد السادس له ثقة كاملة في قدرة السودانيين على إيجاد الحلول التي تغلب مصلحتهم الوطنية على كل الاعتبارات، مبرزا أن أن المغرب من الدول التي رحبت بحوار جدة وبالحوارات الأخرى، كما عبر عن الأمل الكبير في أن هذه الحوارات “يمكن أن تفضي إلى نتائج تعيد التهدئة والاستقرار والطمأنينة إلى السودان وشعبها”، وأضاف أن “المملكة المغربية، ومن منطلق علاقاتها الإنسانية القوية مع السودان، مستعدة للقيام بكل ما يمكن لمساعدة هذا البلد الشقيق حتى يستعيد استقراره ووحدته الوطنية”.
هذا المسار الدبلوماسي، الذي تنهجه الرباط، والذي يُلغي الجزائر من المعادلة، ولا يستحضر، ظاهريا على الأقل، الأزمة الثنائية بين البلدين، هو نفسه ما جعل المغرب مسرحا للعديد من جولات الحوار بين الأطراف الليبية، في الصخيرات وطنجة وبوزنيقة، مع الحرص على عدم تخطي “سيادة الدول”، وهو ما عبر عنه، في نونبر الماضي، بوريطة، في لقاء مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باتيلي حين أورد أن المغرب “يؤكد على الدوام أن تسوية الأزمة الليبية لن تتأتى من الخارج، بل ينبغي أن تنبع من الليبيين أنفسهم، وهذا ما جعله يكسب مصداقية لدى الفرقاء الليبيين”.