24 ساعة

أراء وكتاب

الجزائر تكرس دبلوماسية البترودولار وشراء الذمم

الجزائر.. بمن سيضحي النظام من أجل تبرئة ذمته؟

نوايا ”الجماعة”

يوميات

--berkanexpress--

حموشي بالمملكة المتحدة لبحث سبل تطوير التعاون المشترك في مختلف المجالات الأمنية

خارج الحدود

-berkanexpress-

الاتحاد الأوروبي يندد بمناورات النظام الجزائري
الرئيسية | كتاب وأراء | ملاحظات على هامش عملية شمهروش الإرهابية

ملاحظات على هامش عملية شمهروش الإرهابية

على إثر الجريمة النكراء البشعة التي ارتكبت في حق سائحتين أوروبيتين (نرويجية ودانماركية) بمنطقة شمهروش ضواحي مراكش توالت ردود فعل مختلفة وطنيا حول هذا الموضوع يمكن أن نحصرها في ثلاثة أنماط:

الأول رد فعل طبيعي يستنكر ويدين هذه الجريمة الخطيرة التي خلفت حالة من الذعر الشديد في نفوس المواطنين، حيث أصيب الناس الأسوياء بأزمة نفسية جراء هول الصدمة بعد مشاهدتهم لأبشع جريمة ضد الإنسان، فتأثير هذا المشهد الفظيع سيخلق ضحايا يحتاجون إلى علاج ومراقبة طبية.

الثاني رد فعل غير طبيعي ذلك الذي ذهب إلى حد الإشادة بهذه الجريمة، ودون شك هنالك من كمن في نفسه الإدلاء بمثل موقف مرضي كهذا (خوفا من الاعتقال)، الذي ينم عن جهل مطبق وينطوي على خطورة تجاه المجتمع والدولة، خاصة إذا بلغ مرحلة تصريفه بشكل فعلي، ما لم يتم إدراكه قبليا والقيام بعملية احتوائه.

الثالث رد فعل يبدو أقرب من الأول لكنه في الحقيقة بعيد عنه كل البعد، فرغم أنه “يستنكر” جريمة إمليل الإرهابية، فأصحابه يقولون لماذا هذا التضامن كله مع غير “المسلمين”؟ المثير في مثل هكذا استفهام هو: كيف لأصحاب هذا الموقف أن يعبروا عن مثل هذا الكلام السخيف، بحيث يربط الاستنكار والتعاطف ليس بالإنسان كإنسان ولكن من حيث انتمائه الديني؟! إنه كلام يتأسس دون شك على منطق غير سليم ومنطلقات ضيقة لإعطاء القيمة للإنسان، فالتآزر والتضامن لا يجب أن ينبنيا على محددات دينية بل على اعتبارات إنسانية بالأساس، لأن الإنسان هو نفسه أينما وجد ومن المفترض مقاومة الظلم والإرهاب والجريمة والعنصرية حيثما مورست بغض النظر عن الدين والجنس واللغة والعرق، فالإنسان يعامل كإنسان أينما حل وارتحل وكيفما كانت أفكاره ومبادئه وديانته.

لنترك جانبا تفاعل المغاربة ومواقفهم من جريمة شمهروش، لكن نجزم القول إن معظم المغاربة يرفضون ويمقتون الأفعال الإرهابية كيفما كانت طبيعتها ومرتكبوها، ويعملون دائما في اتجاه تصحيح الموقفين الثاني والثالث أعلاه.

ولنقف الآن عند بعض من التداعيات ذات البعد الدولي التي ستنتج عن هذه الجريمة الإرهابية، والتي سنرصدها عبر الملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: لقد جبل المغاربة على فكرة التنوع الثقافي وترسخت مسألة التلاقح والحوار الحضاري في عقولهم على مر العصور، حيث تشكلت لديهم قناعة تترجم عقيدة تنبني على التواصل والتعاطف والتسامح والتضامن مع بقية شعوب العالم واحترام ثقافاتهم…، وذلك بغرض خلق وتكريس الأمن والسلام في مختلف أقطار المعمور، وعيا منهم بأن احترام الآخر في مختلف المستويات يشكل مدخلا لا بد منه لطمأنة البشر وجعله في مأمن عن كل تهديد أو رعب.

إن الإرث الثقافي والحضاري المتميز للمغرب، وكذا تفاعله ذا الطابع الإنساني الذي يسم تعامله مع بقية الأمم لم يأت من فراغ، بل صنعه المغرب لنفسه وراكمه عبر التطورات التاريخية المتلاحقة، فهو يشكل في الآن نفسه هوية واستراتيجية تحكم سلوكه الدولي، كما يعبر أيضا عن نبل أخلاق المغاربة وحسن تعاملهم مع الآخر، إنه ليس مجرد كلام، بل ترجمه المغرب في إطار تضامنه مع الأفراد والشعوب التي تعاني من ويلات الحروب أو تلك التي يضربها شر الإرهاب بجميع أشكاله وأنواعه.

الرصيد الذي بناه المغرب دولة وشعبا كونه بلد الاختلاف والتنوع، بلد التسامح، بلد القيم النبيلة والأخلاق، بلد إكرام الضيف وحسن التعامل معه، للأسف أفعال إرهابية مثل هاته التي وقعت في شمهروش/ إمليل قد تنال من سمعته دوليا ويتصور لدى الأجانب أن هناك خطرا يهددهم إن هم قدموا إلى المغرب، وهذا مثلا ما ذهبت إليه كندا مؤخرا حينما حذرت مواطنيها من زيارته.

الملاحظة الثانية: المساس بسمعة المغرب قائمة، بغض النظر عن درجة ومستوى وقعه وتأثيره، فالأمر لا يقف عند الرصيد المعنوي والأخلاقي، بل المغرب منذ سنوات وهو يراكم لكونه بلد الأمن والاستقرار ويسوده القانون، لتأتي أفعال إجرامية/ إرهابية لتعيد الأمور إلى الوراء وتدك بعضا من كل الجهود المبذولة وطنيا ودوليا في هذا المجال، ففعلا بذل المغرب مجهودات جبارة لإعادة بناء ما هدمته الأحداث الإرهابية لـ 16 مايو 2003، التي خلقت ضحايا كثرا ومست بصورة المغرب خارجيا، حيث كان عليه أن يضاعف مستوى الترويج إلى أن القادم إلى المغرب سوف يكون في أمان وسلام.

إن تحسين صورة المغرب لم يكن مجرد خطاب، بل المنظومة القانونية والإجراءات الأمنية عرفت تطورات كبيرة لتوفير بيئة آمنة للمغاربة أنفسهم ولضيوفهم كيفما كانت جنسياتهم ومعتقداتهم وأصولهم. ومع ذلك، يمكن القول إن المجهودات المبذولة لم تكن مصاحبة بما يكفي من المقاربات الذكية للقضاء على أسباب الإرهاب، فرصد المكامن والمسببات التي تفضي إلى إنتاج الأعمال الإرهابية ليس بالمسألة الهينة، لكن أيضا يجب أخذ الإجراءات الاستراتيجية اللازمة لرصد الظاهرة ومحاصرتها والقضاء عليها، وتجفيف كل ما يمكن أن يفضي إلى خلق وتشكيل سلوك إرهابي ما، وتبني أيضا مقاربة استباقية فعالة للفتك بما أصبح ينعت بـ”الذئاب المنفردة” التي بدأت تتحول هي نفسها إلى ظاهرة دولية معقدة، حيث يبدو أن صعوبتها تتجلى في بساطتها.

إن المقاربة الأمنية هي ضرورية، كما أن سرعة التحرك الأمني والقبض على عدد من المشتبه فيهم أبانت عن يقظة المؤسسات المكلفة بحفظ الأمن والاستقرار في البلد، خاصة أمام نجاحها في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية التي كان من الممكن أن تستهدف مغاربة وأجانب، فالأجهزة الأمنية المغربية مشهود بكفاءتها وطنيا ودوليا، حيث ساهمت من خلال خبرتها وحسها العالي في تنبيه دول أوروبية إلى أعمال إرهابية كانت ستنال منها، ومع ذلك فالمقاربة الأمنية لا يمكنها أن تحد وتقضي على مخاطر الإرهاب لوحدها مادامت هنالك بنيات قائمة في المجتمع تنتجه تحتاج إلى جرأة للقضاء عليها وإزالتها.

فليس بالجديد كون القضاء على الجريمة والإرهاب يحتاج إلى تجفيف مستنقعات الجهل والتخلف بجميع مستوياته وأصنافه، حيث تجد إيديولوجية التطرف بكافة أنواعه مرتعا لها، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تربية وتعليم سليمين يقعان أولا على عاتق الدولة، إضافة إلى القيام بتعبئة شاملة وبعمل فعلي ومجهود خرافي من قبل متدخلين تقدميين وفاعلين يعرفون فعلا معنى الوعي الحقيقي وماهية الثقافة المتنورة.

إن جريمة شمهروش تبرز أن الأمر يتعلق بـ”ذئاب منفردة” (ومع ذلك فالقضية مازالت قيد البحث والتحقيق وقد تظهر مستجدات مفاجئة فيها)، لكن الأكيد أن طبيعة الجريمة والطريقة التي نفذت بها تبينان لا محالة أن هناك منهجية داعيشية في الموضوع، فرغم استبعاد فرضية التنسيق المسبق مع أي جهة، فإن الأمر لا يبدو أنه يتعلق بجريمة عادية، فأطروحة تبني أيديولوجية وأهداف تنظيم جهادي متطرف قائمة.

لذلك فتأثير وسائل الإعلام المتنوعة التي تروج لأفكار دينية متطرفة واضح هنا، فلم يعد إنتاج المتطرفين وصناعة الإرهابيين أمرا صعبا، فمداخل تشكيله لم تعد محصورة في جهة واحدة، بل تتداخل في تكوين وتأطير المتطرف والإرهابي مسائل ومعطيات عابرة للحدود الوطنية، خاصة مع انتشار مختلف شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح منظرو إيديولوجية التطرف الديني يحصدون ضحاياهم عبر هذه الشبكات بكل سهولة، لذلك فالتوعية المضادة لمثل هاته الأفكار ومحاربتها بجميع أنواع الطرق والأساليب وبشكل متواصل ومستمر أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وذلك للحد من اقتحام الجانب العاطفي لدى الأطفال والشباب بغرض تحصينهم من خطورة ما تنتجه مختلف مصادر الأفكار الفاسدة والمسمومة التي تؤصل لثقافة العنف والقتل والتخريب.

إن محاربة الإرهاب والتطرف تحتل موقعا مهما في سياسة المغرب الداخلية والدولية، ومن ثمة فلكي يحافظ المغرب على مكانته وسمعته في هذا المجال يستلزمه القيام بأمرين في غاية الأهمية؛ فعلى المستوى الداخلي ضرورة الرفع من درجة الوعي والاستمرار في اليقظة والعمل على تصحيح الأفكار والسلوكيات غير السوية ومواجهتها بشكل مسترسل، ومن جانب آخر ما وقع في إمليل يستدعي إيضاح الموضوع خارجيا بكونه مجرد مسألة معزولة وعابرة وليست بالأمر البنيوي في المجتمع المغربي، فبقدر ما يشكل فيديو مقتل لويزا ومارين استثناء مروعا (نتمنى أن تؤخذ الاحتياطات لكي لا تتكرر مثل هذه الجريمة الفظيعة)، توجد مئات الفيديوهات تبرز مدى كرم وجود وحسن أخلاق المغاربة على عكس ما يمكن أن يروج له أعداء المغرب.

الملاحظة الثالثة: جريمة شمهروش تحكمها محددات دينية بالأساس، فلا أريد أن أكون إطلاقيا، ومع ذلك أستبعد أن تكون هنالك خلفيات أخرى، واضحة، تحكم هذا الفعل العدواني من غير النزعات الدينية المتطرفة، هذا ما يجعلنا نقول إن ضرب الاقتصاد الوطني فكرة كانت غائبة عن ذهن هؤلاء الإرهابيين، ولا أعتقد أنهم استحضروها بشكل مقصود وواع حين التخطيط لهذه الجريمة، ومع ذلك فسلوكهم الإرهابي الأرعن هذا يمس دون شك وبشكل غير مباشر الاقتصاد الوطني ومسألة التنمية في البلاد.

الأمر لا يحتاج إلى تحليل حتى نثبت أن السياحة لها مكانة مهمة في خريطة الاقتصاد الوطني، إنها تساهم بحوالي 10 في المائة في الثروة الوطنية، حيث تعد السياحة مع الصادرات وتحويلات المغاربة بالخارج أهم مصادر العملة الأجنبية للبلاد، كما تشغل أكثر من مليون شخص، وعائداتها تصل في المتوسط (خلال السنوات الأخيرة) إلى حوالي 64 مليار درهم، لذلك لها دور كبير في الرفع من الاقتصاد الوطني، خاصة وأن عدد السياح تجاوز في السنوات الأخيرة عتبة 10 ملايين سائح.

وعليه، فإن العملية الإجرامية ذات الطابع الإرهابي التي ارتكبت بإمليل بضواحي مدينة مراكش سوف تؤثر دون شك على الاستثمار في قطاع السياحة (المؤسسات الفندقية، شركات الطيران، الصناعة التقليدية …) ويمتد الأمر إلى قطاعات أخرى، وبالتالي التأثير على الاقتصاد الوطني ككل وعملية التنمية بشكل عام، فإذا كانت استراتيجية السياحة في رؤية 2020 (مثلا) تقوم على الاستمرار في جعل السياحة أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، حيث يتمثل طموحها في أن تكون البلاد من بين أكبر عشرين وجهة عالمية بحلول 2020، فيمكن القول إن تحسين الخدمات والعناية بالمسائل التقنية واللوجستية والبنيات التحتية تعتبر أمورا مهمة، لكنها تبدو غير كافية لوحدها ولا توفر الضمانات اللازمة لاستقطاب السياح، خاصة في ظل هذه المعطيات الإرهابية الحديثة، فنقص أو حتى غياب الإجراءات المصاحبة للقضاء على منابع الشر والإرهاب والخوف وترسيخ الظروف المناسبة للطمأنينة والأمان سيجعل كل الاستراتيجيات محل الشك والفشل.

إن الحديث عن الضرر الذي قد يصيب الاقتصاد الوطني عن مثل هذه العملية الإجرامية (لا يجب الاستهانة بها) لا يمس فقط عنصر السياحة، بل أيضا العديد من الواجهات والقطاعات التي يتأسس عليها الاقتصاد، فالمستثمر الأجنبي دائما ما يبحث عن بيئة أكثر أمنا واستقرارا على كافة المستويات ويأتي في مقدمتها الجانب الأمني والقانوني.

نتمنى ألا تتأصل ثقافة قطع الرؤوس أسوة بما وقع في شمهروش، فما حدث بضواحي إفران لامرأة، بذبحها وفصل رأسها عن جسدها، هو أمر خطير، فقد يمكن اعتباره كنسخة كربونية شكلا للجريمة الإرهابية التي وقعت ضد الاسكندنافيتين لويزا ومارين وإن اختلفت الأسباب والخلفيات.


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة | berkanexpress.com

تعليقات الزوّار

أترك تعليق

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.