24 ساعة

أراء وكتاب

الجزائر تكرس دبلوماسية البترودولار وشراء الذمم

الجزائر.. بمن سيضحي النظام من أجل تبرئة ذمته؟

نوايا ”الجماعة”

يوميات

berkanexpress

المجلس الرئاسي الليبي: تفاجأنا بحديث تبون عن اتفاق حول كيان مغاربي ثلاثي

خارج الحدود

-berkanexpress-

الاتحاد الأوروبي يندد بمناورات النظام الجزائري
الرئيسية | ثقافة وفنون | بالدار البيضاء.. مقهى يجمع بين لذة القهوة وعشق القراءة

بالدار البيضاء.. مقهى يجمع بين لذة القهوة وعشق القراءة

يدنو سعيد من خزانة حديدية فيلتقط منها كتابا من القطع المتوسط يتضمن الأعمال الكاملة للشاعر السوري نزار قباني.

الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا وقد بدأ في تقليب صفحات الكتاب، الذي يضم ستين قصيدة ونيف للمبدع الدمشقي المعروف بحساسيته النادرة، سعيد يبحث عن قصيدة بعنوان “الأمير الخرافي توفيق قباني.”

“كجفون أبيك هي الكلمات ومقصوصة، كجناح أبيك، هي المفردات”، يقول قباني في مطلع القصيدة التي يرثي فيها وفاة ابنه توفيق الذي اقتنصه الموت وهو في السابعة عشرة من العمر بسبب مرض على مستوى القلب.

يتلذذ سعيد بقوة الوصف وجمال الكلمة في قصيدة قباني فيعيد قراءتها المرة تلو الأخرى.

دقائق قليلة بعد ذلك، يحدث رفيقه المنشغل بتصفح حائطه الفايسبوكي واحتساء القهوة عن شغف الشاعر السوري وقدرة كتاباته على النفاذ بسرعة إلى أعماق القلوب ودغدغة المشاعر والأحاسيس.

“القراءة لقباني تسمو بالروح وتجعلك ترى العالم من حولك بشكل مغاير تماما”، يقول سعيد.

يخبره صديقه بأنه لم يسبق له أن طالع لقباني. ويضيف أنه ليس بمقاطع لأعمال الشاعر، بل لكون علاقته بالكتاب على العموم تظل محتشمة، خاصة في رحاب فضاء مخصص في الأصل لتجزية الوقت وتبادل الحديث.

كتب في مقهى

نتواجد في مقهى من طابقين مطل على إحدى الشوارع الرئيسية بمدينة الدار البيضاء.

ليس هذا المبنى الزجاجي مكانا لاحتساء القهوة واستنشاق دخان السجائر فقط، بل حوله القائمون عليه إلى فضاء للمطالعة والجلسة المفيدة. هناك، تحت شاشة تلفاز فائق الوضوح، تنتصب خزانة صغيرة من أربع رفوف.

ينعم المكان بالهدوء إلا من أزيز مروحة هوائية وأصوات المركبات المارة من شارع مقابل. الأجواء تغري بالقراءة، خاصة في ساعات الصباح الأولى، قبل أن يتسلل صخب معلقي مباريات الكرة إلى المكان.

على الحائط، يمكن للجالس في المقهى ذو السقف الخشبي رؤية صور لمناظر طبيعية وعواصم عالمية. الخزانة، كما الصور، تحتوي على كتب من جميع البلدان والثقافات، وبلغات متعددة، تسافر بقارئها إلى فترات زمنية مختلفة.

المقهى الأنيق في تصميمه خلق بخزانته الاستثناء بين المقاهي الأخرى الكثيرة المنتشرة في المنطقة.

ففضلا عن تقديم البن وتوفير صبيب من النت، يستهدف القائمون على المقهى بهذه المبادرة تشجيع القراءة الجادة والرزينة، في زمن استشرت فيه الأنماط الاستهلاكية للمعرفة السطحية، والمتمثلة في الوسائط الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي.

في كل يوم تأتي الاستفسارات من الزبائن، “ما هو السر وراء الإقدام على هذه الخطوة؟” والإجابة تأتي من أحمد (اسم مستعار)، صاحب المقهى، “أنا مثقف، وحبي للمطالعة هو ما دفعني لتأثيث المقهى بما تيسر من كتب وجعلها فضاء ثقافيا”.

وبينما يأخذ أحمد نفسا من سيجارته، ويعدل من قبعته الشبيهة بتلك التي كان يعتمرها الرجال في أمريكيا زمن الثلاثينيات، يأتيه النادل بقهوته السوداء في كأس صغير. يقول: “لطالما كنت قارئا نهما للكتب، وقررت بعد استثماري في مشروع إنشاء مقهى، أن أحضر خزانة كتب وأعلنت أنه بإمكان الزبون قراءة أي كتاب يريده أثناء جلوسه بالمقهى.

احتس قهوة وتبرع بكتاب

من بين الزبائن الذين استحسنوا الفكرة، سعيد، وهو في العشرينيات من عمره، ويقول: “هناك العديد من المقاهي في الحي، لكنني أفضل هذه المقهى بالضبط لأنه مميز”.

وأضاف أنه يجد راحة خاصة في حضرة الكتب، إذ يقول أن المقهى يتوفر على كتب بلغات متعددة وفي مجالات مختلفة، مثل الأدب، الفلسفة علم الاجتماع والتاريخ. “لكنني أفضل الروايات ودواوين الشعر بالخصوص”.

وقال سعيد  أنه استطاع قراءة حوالي ثلاث روايات وديوانين شعريين منذ بداية تردده على المقهى، وهو الأمر الذي لم يكن بمقدوره القيام به في السابق.

يحكي سعيد عن إحدى تجاربه في المقهى، يقول: “حين كنت بصدد السفر، طلبت من صاحب المقهى أن يعيرني مؤلفا لجبران خليل جيران، ولم يتردد في قبول طلبي. ولأنني احببت المبادرة كثيرا، أردت ان اشجع أصدقائي على المجيء للمقهى واستغلال وقت الفراغ في القراءة. أكثر من ذلك، ساهمت ببعض الكتب التي كنت قد قرأتها من أجل إغناء المكتبة”.

المبادرة ناجحة للغاية لدرجة أن العديد من زبائن المقهى استبدلوا مشاهدة التلفاز المسطح والمحادثة في وسائل التواصل الاجتماعي بقراءة كتب المكتبة الصغيرة. أمام هذا الإقبال يفكر أحمد في التوسع. “سأقوم قريبا بإضافة خزانة جديدة من أجل استيعاب عدد أكبر من الكتب، سواء القادمة من مكتبتي الشخصية، أو تلك التي يتطوع بها الزبائن من محبي القراءة”.

إشكال تدني القراءة

وتبقى مقهى المكتبة حدثا استثنائيا، خصوصا في ظل معدلات القراءة المتدنية في الفضاءات العامة بالمغرب والعزوف عن مصاحبة الكتاب من لدن الشباب ممن تستهويهم التكنولوجيا وثقافة الصورة.

فحسب تقرير لـ “الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية”، فتراجع المقروئية مرده أن 10 ملايين ما زالوا يعانون من الأمية في المغرب، أي حوالي ثلث سكان بلد يبلغ تعداد سكانه حسب إحصاء 2014 ما يقارب 34 مليونا.

وقد سبق ل “شبكة المقاهي الثقافية في المغرب” أن أعلنت عن تنظيم الدورة الأولى لمبادرة تحمل اسم “ليالي المقاهي الثقافية”، وتهدف إلى عقد لقاءات وندوات بشراكة مع جمعيات ومقاهي ثقافية بعدد من المدن المغربية.

وكانت الشبكة التي تأسست عام 2015 قد أوصت على هامش أحد الأيام الدراسية بضرورة تأسيس مكتبات صغيرة في فضاء المقاهي، وإشراك القطاعات الحكومية المعنية، كوزارة الثقافة، في رعاية هذه المشاريع.

إلا أن المقاهي الثقافية بالمغرب تواجه العديد من الصعوبات مما يحول دون استمراريتها، من بينها عدم ملائمة هندسة هذه الفضاءات وخصوصيات الأنشطة الثقافية التي تحتضنها، فضلا عن الاعتماد على الإمكانيات الخاصة والفردية للمشرفين على تلك المقاهي، كحالة مقهى أحمد، دون أي متابعة ميدانية أو التوصل بمساعدات من الجهات المسؤولة.


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة | berkanexpress.com

تعليقات الزوّار

أترك تعليق

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.