24 ساعة

أراء وكتاب

الجزائر تكرس دبلوماسية البترودولار وشراء الذمم

الجزائر.. بمن سيضحي النظام من أجل تبرئة ذمته؟

نوايا ”الجماعة”

يوميات

--berkanexpress--

مؤسسة الوسيط تُعلن انتهاء أزمة طلبة الطب في المغرب

خارج الحدود

-berkanexpress-

الاتحاد الأوروبي يندد بمناورات النظام الجزائري
الرئيسية | كتاب وأراء | نقرات على هامش الربيع الجزائري

نقرات على هامش الربيع الجزائري

ليست زيارة نائب رئيس الوزراء الجزائري ووزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى روسيا بالزيارة التي يقصد بها في الأعراف الدبلوماسية تمتين العلاقات الاقتصادية والعسكرية، بل هي الزيارة التي يقصد بها بعث إشارات ورسائل من الحلقة الممسكة بالحكم إلى كل من الداخل والخارج على السواء، رسائل مفادها أن للجزائر أصدقاء في الساحة الدولية يحمونها شر كل ربيع وأتون نوائب الدهر وصروفه السياسية، فتوقيتها المضبوط وغير الاعتباطي، ثم البلد الذي اختارته بعناية من يحرص على عدم التفريط بالحكم، يذكران الجزائريين بمآل الثورة السورية التي حولت بلاد أحفاد الأمويين إلى حطام وأنقاض تنعق فوقها الغربان.

هي زيارة لا تثبت فقط صورة الفزاعة التي جرى استدعاؤها للتجربة السورية عند مستهل القيام الجزائري لترهيب المتظاهرين من مصير مشابه، وإنما تنفخ فيها الروح نفخا لتحولها إلى مآل حي وممكن وارد وإلى احتمال من الاحتمالات، بل إلى خطر باد للعيان وقابل للتحقق، فتوظفها لأقصى حد وتنقلها من الافتراضي إلى الكائن الممكن الحدوث.

الحاكمون الحقيقيون للجزائر يقولون إذن للعالم كله من موسكو، وخصوصا لمن يحسن التأويل من الدول التي تتحين دورا في الربيع الجزائري، كفرنسا وأمريكا وبعض الدول العربية، إنهم قادرون على استنساخ سوريا جديدة سنة 2019، وإنهم لا يرون ضيرا أن يعطوا روسيا موطئ قدم في غرب العالم العربي هذه المرة إذا تشابكت الحسابات واحتدم النزال، وإنه لا داعي أن “يجهل” أحد عليهم فيجهلوا فوق جهل الجاهلينا.. ثم هم ينبهون “بالمعروف” وبالمرموز الشعب الجزائري إلى ضرورة أن “يقتصد” في حماسه و”يخفض” من سقف توقعاته من الحراك، ويعود دوما بذاكرته للماضي القريب جدا، ويرتدع، ويأخذ العبر من عشرية الدم التي راح ضحيتها الآلاف من أبنائه، لأنهم قادرون أيضا مثله على ركوب سنام المخاطرة مثلما يركب هو على موجة الاحتجاج والمظاهرة.

إنه الترهيب من المصير القاتم المحتمل، والتأكيد على أن الربيع الجزائري لن يكون ساعة صبر في الميادين وبعدها يأتي النصر المكين، بل قد يتحول إلى ما لا تحمد عقباه …إلى عقد آخر بلون الدم لن يجني منه الجزائريون إلا عدم الاستقرار والفتن التي ستتوالى عليهم مدلهمة كقطع الليل.

فروسيا، وعبر تصريحات زير خارجيتها سيرجي لافروف، لها الآن الفرصة لتبين أنها أصبحت تراكم خبرة في التعامل مع حالات الثورات العربية، وأنها تحولت إلى فتوة في الحقل الدولي، وإلى منقذ لمن يعاني الصعاب من أصدقائها الذين ورثتهم عن زمن الاتحاد السوفياتي، ولا مناص من أخذها بعين الاعتبار عند أي ترتيبات مستقبلية، إذ سارعت إلى إعلان رفضها لأي تدخل أجنبي في الشأن الجزائري، وهو الموقف الذي يدعم الممسكين الحقيقيين بتلابيب السلطة في الجزائر في الوقت الحالي، ويعطيهم قوة تفاوضية وهامشا استباقيا للتحرك.

*******************

من جهة أخرى، ورغم ما يبدو من انفلات وسخونة المشهد في الشارع، لازال الجيش هو القوة المنظمة الوحيدة القادرة على لعب الأوراق الاحتياطية بإتقان مع كافة أطراف المعادلة، فإلى حد الآن لم تتخل هذه القوة عن الرئيس بوتفليقة الذي تحكم باسمه البلاد، وحتى لما حجبت عنه العهدة الخامسة تتركه يرتع في عهدة رابعة مفتوحة..هذه المناورة جعلتها تظهر للجزائريين الضعف البين للمعارضة التي إلى حد اليوم لا تقترح رغم هرجها بديلا لبوتفليقة، ولا تقدر أيضا على قيادة حراك الجماهير المحتشدة التي تصطخب هادرة ليل نهار تتوخى الثأر من محاولة إذلالها بين الأمم بتنصيب رئيس لها يقودها وهو في أرذل العمر .

هذا الجيش لا ينسى في خضم ما يجري أن “يصطف” إلى جانب الاتجاه العام للشارع الجزائري، فهو “يؤيد” المطالب المشروعة للحراك، ويتمناه أن يزهر فوق ذلك باقات ورده اليانعة.

الخروج المتكرر والمحسوب لنائب وزير الدفاع ورئيس الأركان الجزائري قايد صالح يدل على أن الجيش الذي يحيط كسوار المعصم ببوتفليقة يضع يده أيضا على خاصرة الشارع، ويراقصه على أنغام الثورة وينشد معه أناشيد وأهازيج النصر في ملحمة التغيير هاته التي تنقل وقائعها القنوات التلفزية الرسمية، فالجيش هنا وهناك يتواجد في المعسكرين، بل هو في طريقه ليتقمص رويدا رويدا دور الحكم بين الشعب والجماعة المحيطة بالرئيس…ثم ها هو ينفصل بكل هدوء وتدريجيا عن الرئيس و”يلتحم” بالشعب الذي لا يجد له قائدا للمرحلة، فيصبح هو “البديل”، بل هو الحل الممكن والمطلوب.

******************

الواضح أن الجيش يستعمل بوتفليقة إلى أقصى مدى، فالرجل لا ينبغي أن يرحل عن الحكم حتى يؤدي الشعب الجزائري معه “فريضة” الربيع العربي مثله مثل باقي شعوب الدول العربية الأخرى التي سبقته.. هذه خدمته الأخيرة لشعب “حكمه” زهاء 20 سنة بالتمام والكمال.

إن إزاحة رجل شبه ميت من قبل العسكريين قد أزاحه قبلهم المرض، وتنحية حاكم شبع من “الحكم والمجد والحياة”، معا هو أمر سهل، لا مجازفة فيه ولا عقوق للرئيس ولا حتى تأنيب ضمير، ولذا يكون من الأفيد لو يتم هذا الأمر على يد الشعب، الذي خرج عن بكرة أبيه وأسقطه؛ فما لثورة بميت إيلام؛ وبهذا يكون الشعب الجزائري أدى واجبه وثار إسوة بباقي الشعوب العربية ….إلا أنها ثورة “محسوبة ومتحكم” في خيوطها…ثورة لا ينبغي لها أن تكون “مفتوحة” بالكامل على المجهول .

إن الخروج إلى الشارع كان ضروريا، فمنذ 20 سنة وطنجرة الجزائر تغلي ولا بد أن تتنفس قليلا، كما أن الجيل الذي لم يشهد الربيع الجزائري الأول سنة 1988 ولا يعرف رئيسا إلا بوتفليقة “يحتاج” أيضا أن “يسقط” نظاما.

إن هذه هي الخيالات والبني التي تدور في رأس القوة غير الدستورية التي يقول الشارع الجزائري إنها تتستر خلف بوتفليقة؛ وهذا هو الإخراج الذي تخطط له، وهذا هو التوجه الذي يتم بمقتضاه لديها ترجيح السيناريو الذي تتمناه هي للربيع الجزائري من بين عدد من السيناريوهات المحتملة، والتي تتأرجح بين التغيير السلمي الهادئ والفتنة الصاخبة.. إنه السيناريو الذي يجعل الشعب والجيش في النهاية يجتمعان على قلب رجل واحد في مواجهة نخبة سياسية يتم عزل أبرزها الآن لتسقط مع السقوط الرسمي لبوتفليقة، وهو ما يفسر ما نراه من انقلاب المواقف وقفز البعض من الشخصيات التي دارت في فلك الحكم إلى ناحية الشعب مؤخرا بدعوى عودة البصيرة. فلا يتأكد بهذا إلا أن الجيش وحده من سيبدو بصيرا في النهاية بما كانت ستتمخض عنه المقبلات من الأيام لأنه يمتلك المعلومة والقوة والسلطة…أي يمتلك كل شيء في الجزائر.

***********************

ربما يكون هذا السيناريو، الذي لا يلبي تماما توق البعض من الجزائريين إلى ثورة تكون أشبه بملحمة تحرير الجزائر الخالدة، السيناريو الممكن إذا وعيينا توازن القوى الحاصل في الساحة الجزائرية في الوقت الحالي. هو ربما سيناريو لا يليق تماما بمزاج وروح شعب يعرف عنه الكل أنه يأبى الضيم وضياع الكرامة، ولكنه مع ذلك يبقى سيناريو يرى البعض أنه يرضي حاجة الشعب للإطاحة بالنظام ويمنح الجيش بدوره مرة أخرى فرصة البقاء مؤثرا أولا في المشهد السياسي الجزائري، ويمنح بعض الوقت للشروع في إصلاح دون مخاطر أو انزلاقات، خصوصا أن الكل تعلم من دروس الماضي: فالعسكر يعي أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، والشعب من جهته لا يقفز نحو الديمقراطية مقامرا بالاستقرار، ولذلك هو سلمي في خروجه، والإسلاميون لا يبحثون عن تصدر الحراك لكي يتجنبوا مآل إخوانهم، ولا يكونوا نقمة على الثورة، أو ذريعة لمصادرة الديمقراطية للمرة الثانية.

أعتقد والله أعلم أن الجزائر ستبدع نسخة منقحة للربيع العربي تختلف عما سبقها، فربما إذا توفرت العناية الإلهية قد تلتقي السلطة هذه المرة مع الشعب في منتصف الطريق، وقد يظهر رئيس منتخب بشكل ما، يقرر أن يضع الجزائر نهائيا على سكة الديمقراطية الحقيقية.. إنما المصادفات التاريخية وحدها من تسعف الشعوب في الأوقات العصيبة، فهل يكون حظ الجزائر أحسن من سابقاتها من الدول العربية. نتمنى فعلا ذلك لهذا الشعب الأبي، فهو بالتأكيد يستحق وضعا أفضل وأبهى من هذا الوضع الذي يثور عليه .


الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي جريدة | berkanexpress.com

تعليقات الزوّار

أترك تعليق

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.